الفَصْلُ الثّاني- سُلطة التَّنفيذ العُليَا ـ الإمامَة
المبحث الثاني ـ حكم إقامة الدولة في الإسلام :
المبحث الأول ـ تعريف الإمامة : المبحث الثاني ـ حكم إقامة الدولة في الإسلام : المبحث الثالث ـ كيفية اختيار الإمام (أو الحاكم الأعلى ) : المبحث الرابع ـ شروط الإمام : المبحث الخامس ـ وظائف الإمام (أو واجباته واختصاصاته ) المبحث السادس ـ انتهاء ولاية الحاكم : المبحث السابع ـ حقوق الإمام الحاكم : المبحث الثامن ـ حدود سلطات الإمام وقواعد نظام الحكم في الإسلام : المبحث التاسع ـ مصدر السيادة في الإسلام : المبحث العاشر ـ تنظيم الخليفة للدولة (إدارة الدولة ) المبحث الثاني ـ حكم إقامة الدولة في الإسلام :
بالرغم من أن إيجاد الدولة أمر يوجبه العقل، ويحتمه الواقع، وتفرضه طبائع الأحداث، فقد رأينا اختلافاً بسيطاً غير حاد ولا خطير في شأن حكم الإمامة وجوباً وجوازاً. قال ابن تيمية : يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلم : «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» .ويمكن تصنيف مذاهب الفرق الإسلامية في ثلاثة: مذهب الإيجاب، ومذهب الجواز، ومذهب الوجوب على الله .أولاً ـ مذهب إيجاب الإمامة :
ترى الأكثرية الساحقة من علماء الإسلام (وهم أهل السنة والمرجئة والشيعة والمعتزلة إلا نفراً منهم، والخوارج ما عدا النجدات):
أن الإمامة أمر واجب أو فرض محتم . قال ابن حزم: اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حاشا النجدات، فإنهم قالوا:لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم . ونوع الفرضية هو الفرض الكفائي، قال الماوردي: فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط فرضها عن الكافة .ثم انقسم هؤلاء فرقاً ثلاثاً، ..... ( جميل لمذاهب ليست سنية ... راجع اصل الكتاب للتفصيل )أورد أصحاب هذه النظرية عدة براهين شرعية وعقلية وضرورات وظيفية.1 - البرهان الشرعي : الإجماع:
• أجمع الصحابة والتابعون على وجوب الإمامة، إذ بادر الصحابة فور وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم وقبل تجهيزه وتشييعه إلى عقد اجتماع السقيفة ـ سقيفة بني ساعدة، وبعد تشاور كبار المهاجرين والأنصار بايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه قياساً على تقديم الرسول صلّى الله عليه وسلم له لإمامة الناس في الصلاة أثناء مرضه الشريف، وأقر المسلمون هذه البيعة في المسجد في اليوم التالي، مما ينبئ أنهم مجمعون على ضرورة وجود إمام أو خليفة.• قال الإيجي في المواقف وشارحه الجرجاني: «إنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول، بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم على امتناع خلو الوقت من إمام، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته المشهورة، حين وفاته عليه السلام: ألا إن محمداً قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، ولم يزل الناس على ذلك، في كل عصر إلى زماننا هذا، من نصب إمام متبع في كل عصر»
• وواضح من قول العلماء أن الإجماع منصب على ضرورة وجود الحاكم، وليس المهم شكل الحكم، من خلافة أو غيرها، مادام الشرع هو المطبق .
• والإجماع حجة قطعية يقينية على وجوب الإمامة بعد الرسول صلّى الله عليه وسلم وفي كل عصر، إذ لا يصلح الناس فوضى لا قادة ولا رؤساء لهم في كل زمان.
• ويؤكد هذا الإجماع أو يعد مستنداً له إشارات في القرآن والحديث، قال الماوردي : جاء الشرع بتفويض الأمور إلى ولي في الدين، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا، وهم الأئمة المتأمرون علينا. وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «سيليكم بعدي ولاة، فيليكم البر ببره، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم، وأطيعوا في كل ماوافق الحق، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم» .
وهناك آيات أخرى مثل قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} [المائدة:49/5]
{وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله } [آل عمران:159/3].
• ومارس النبي عليه السلام سلطات سياسية لا تصدر من غير قائد دولة، كإقامة الحدود وعقد المعاهدات وتعبئة الجيوشوتعيين الولاة وفصل الخصومات بين الناس في الشؤون المالية والجنائية ونحوها .
2 - البرهان العقلي ـ الشرعي :• وهو توفير النظام ودرء الفوضى، أي أن الاجتماع والتمدن طبيعي في البشر،وكل اجتماع يؤدي إلى التنازع والتزاحم والاختلاف بسبب حب الذات والحرص على المصالح الذاتية، وتحقيق أكبر قدر من المصالح الشخصية، والتنازع يفضي غالباً إلى الخصام والصراع والهرج والفوضى المؤذنة بهلاك البشر وانقراض النوع الإنساني إذا لم تنظم الحقوق وتحدد الواجبات ويفرض النظام، ويقوم الوازع الرادع، ويتم ذلك بالسلطان.
• قال الماوردي : تجب الإمامة عند طائفة عقلاً لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم، ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين، وهمجاً مضاعين،
• وقد قال الأفواه الأودي ـ وهو شاعر جاهلي:لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ..... ..... ولاسراة إذا جهالهم سادواوهذا يعني أن ضرورات الحياة والحفاظ على حقوق الإنسان تقتضي وجوب الإمامة أو السلطة.3 - برهان الوظيفة :• إن قيام الإنسان بوظيفته بكونه خليفة الدنيا في الأرض وحامل الأمانة: (الفروض والتكاليف الدينية) يتوقف على وجود السلطة السياسية التي تمكنه من أداء وظيفته على نحو أكمل.
• وهذه الواجبات لا تتحقق إلا في ظل وجود دولة، سواء أكانت عبادات محضة كالصلوات والحج والعمرة أم شعائر عامة كالأذان والجمعة والأعياد، أم معاملات اجتماعية كالعقود بأنواعها، أم تكاليف جماعية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة المجتمع الفاضل والتعاون في سبيل الخير، وقمع الشر، ومحاربة الأهواء.
• وجدير بالذكر أن كل رسالة إصلاحية وعلى رأسها الإسلام لا يمكن أن يقر قرارها أو تظهر فائدتها إلا في سياج منيع من القوة المانعة والسطوة الرادعة التي تلازم وجود الدولة.
• وغريب أن نجد فكرة سديدة تخالف هذا المنطق أو تتجافى مع هذا التصور. قال النسفي: «والمسلمون لا بد لهم من إمام يقوم بتنفيذ أحكامهم، وإقامة حدودهم ،وسد ثغورهم، وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمع والأعياد، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق، وتزويج الصغار والصغيرات الذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم ، أي ونحو ذلك من الأمور المتطلبة لوجود الحاكم» .
• وقال الإيجي في المواقف : «إن في نصب الإمام دفع ضرر مظنون، وإن دفع هذا الضرر واجب شرعاً. وبيان ذلك أننا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع، فيما شرع من المعاملات، والمناكحات، والجهاد، والحدود والمقاصات، وإظهار شعائر الشرع في الأعياد والجماعات، إنما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشاً ومعاداً، وذلك المقصود لا يتم إلا بإمام يكون من قبل الشارع يرجعون إليه فيما تعين لهم» .
• وهناك برهان آخر يستتبع القيام بالوظيفة المقدسة للبشر: وهو أن مرفق القضاء الذي تقوم به الدولة أمر ضروري لفض المنازعات الدائمة بين البشر، لا سيما بعد زوال النظام القبلي الذي يحكم فيه رئيس القبيلة بالعرف والهوى الشخصي، وعدم جدوى اللجوء إلى التحكيم إذا تعذر اتفاق المتخاصمين، فلم يبق إلا القضاء الذي يلجأ إلىه كل إنسان بمفرده.
• ومهمة القضاء في الإسلام لا تقتصر على إقامة العدل بالمفهوم الإلهي، وفصل الخصومات، وتطبيق أحكام الشريعة، وإنما يشمل كل ما من شأنه رعاية الحرمات الدينية، واحترام الفضيلة، وإقرار المعروف، ومكافحة المنكرات والفواحش بمختلف ألوانها.
• فلولا القضاء لاستأصل البشر بعضهم، وهلكوا جميعاً، فكان وجوده رحمة، وتنظيمه فريضة، وقيام الدولة به ووجودها من أجله أمراً محتماً.
• وإذا لا حظنا أن مهمة الدولة في الإسلام حراسة شؤون الدين والدنيا، وتحقيق السعادة للبشر في الحياة الدنيا والآخرة، علمنا مدى الأهمية المنوطة بالدولة المستلزمة للسعي الفوري في إيجادها، ولولا ذلك لعمت الفوضى، وشاع الفساد، وانتشر الظلم بين العباد.والخلاصة:
إن تلازم وجود الدولة مع دعوة الإسلام ودين الإسلام أمر لا يمكن فصله في مفهوم إنسان، منذ أن قامت دولة المدينة باعتبارها أول نواة لوجود الدولة بالمعنى الحديث القائم على أركان ثلاثة: هي الشعب، والإقليم (الوطن) والسلطة السياسية أو السيادة .
ثانياً ـ القائلون بمبدأ جواز الإمامة :
قالت فئة قليلة بجواز الإمامة لا بوجوبها، وهم المحكِّمة الأولى والنجدات من الخوارج، وضرار، وأبو بكر الأصم المعتزلي، وهشام الفُوَطي، وعباد بن سليمان تلميذه من المعتزلة.......... جميل ( هذه مذاهب ليست سنية راجع الكتاب الأصلي ).......
فهم لم يتهاونوا في شأن الإمامة إذا كان يفهم منها تنفيذ أحكام الشريعة، بل قد أعلنوا وجوبها، فنقلوا الوجوب من الإمامة كهيئة متميزة منفصلة إلى تنفيذ القانون نفسه، أي أن على الجميع الاشتراك في تنفيذ أحكام التشريع بأنفسهم، دون حاجة إلى وجود قوة قاهرة مسيطرة. وهذه هي الديمقراطية المباشرة أو الجمهورية في أكمل صورها كما يحلم بها فلاسفة السياسة.
ثالثاً - رأي الشيعة الإمامية والزيدية والإسماعيلية :
اتفق الشيعة الإمامية والزيدية وأهل السنة والمعتزلة على وجوب الإمامة، لكن الإمامية والإسماعيلية قالوا بوجوبها عقلاً على الله ، لا على الأمة. .... جميل ( لمذاهب ليست سنية راجع الكتاب الأصلي ) .....انشاء الله يليه
الفَصْلُ الثّاني- سُلطة التَّنفيذ العُليَا ـ الإمامَة
المبحث الثالث ـ كيفية اختيار الإمام (أو الحاكم الأعلى ) :